آخر الأحداث والمستجدات 

مكناس، الحال والمآل

مكناس، الحال والمآل

المطلع على شؤون مكناس، حاضرة الزيتون، لا يمكن إلا أن يكون واحدا من أبنائها المتشائمين، الغارقين في اليأس والتواقين إلى حال أفضل. وبالرغم من أن مشاكلها لا تخرج عن أوضاع المدن المغربية على وجه العموم، إلا أن تاريخها ومؤهلاتها لا يمكن أن يسمحا لها بأن تمضي مشرفة نحو المستقبل دون العمل على تجاوز ما تعيشه، والتغلب على التحديات لكسب رهانات التطور والتقدم.

 المدينة ذات العمران والتاريخ، سيدة الزيتون، وحاضرة منطقتها، مدينة المليون ساكن، التي أراد لها المولى إسماعيل أن تكون "فرساي المغرب" على غرار فرساي فرنسا في عهد لويس الرابع عشر، احتفظت بعده بدورها العسكري والتجاري، وسارت قبلة سياحية طيلة عقود عديدة. ظلت مكناس رائدة في انتاج العنب والزيتون، وحافظت منطقتها على الصدارة الفلاحية بسبب مناخها وتضاريسها وسواعد أبنائها، قدمت مكناس الكثير، دافعت عن البلاد وحاربت الأجانب وكانت شرسة في ذلك، غير رحيمة بالعدو، واستمرت مآثرها تشهد عظمة تاريخها، وعلو شأن رجالاتها، فقد كانت رحمها ولودا،وأنجبت أسماء غزيرة العطاء، وإذا كانت المآثر إلى زوال، فإن أسماء رجالات العاصمة الإسماعيلية لا يمكن أن ينكرها أحد،
  مكناس الغنية، مكناس الفقيرة، تاريخ ورجال ومشاهير وحضارة وأرض معطاء.. مدينة الماضي، فهل يحق لها أن ترفع رأسها اليوم وقد تكالب عليها الزمن؟ أنكرها الأبناء والأجداد و أحفاد صناع التاريخ، فهل تمتلك رجالا لصناعة الحاضر والمستقبل وبناء الحضارة الجديدة؟ اليوم لا مجيب، خذلها القريب والبعيد، صارت أرملة تلتحف الأبيض على الدوام.
  هل سقطت المدينة ضحية خيانة أبنائها؟ هل  تطاول على أمورها من لا يستحقون خدمتها؟ هل هي فقط حتمية التاريخ الذي لا يعيد نفسه؟ ... لا شك أن الحاجة إلى نهضة مكناسية جديدة باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى، لكن من أين نبدأ؟ فحال حاضرة الولى إسماعيل كحال من دخل المستشفى يعاني من خلل في كل الأعضاء، ولمن يمكن أن يتهمنا بالتشاؤم المفرط أو بالإيغال في السوداوية، ما عليه إلا أن يجيبنا عن حال شباب المدينة المعطل، ووضعية التشرد والتسكع في الشوارع العمومية، وعن أوضاع المستشفيات والمراكز الصحية، وعن حال الاكتضاض بالمؤسسات التعليمية، ومعاناة السكان مع معضلة انقطاع الماء الشروب خلال فترات التساقطات المطرية، وعن مصير المشاريع التي لم ولن تكتمل رغم ضخامة بعضها، وعليه أن يجيبنا عن وضع الشوارع والأرصفة والأزقة التي تعاني من طول الانتظار وتسوء يوما على يوم حتى بالمدينة الجديدة، وعن صورة الباعة المتجولين المنتشرين في كل مكان رغم وجود أسواق لإيوائهم، وعن مطرح المدينة الذي يضر بعدد غير يسير من الساكنة المجاورة له، وعن أوضاع العمل بالمصانع ومعاناة المشتغلين بالضيعات الفلاحية بين التعسف والطرد وخرق قوانين الشغل، أن يجيبنا عن حال المجتمع المدني الذي يحتضر بسبب لامبالاة غير مشروعة من أبناء المدينة وهم يتفرجون عن حالها، عن برلمانيين لازال البحث عنهم جاريا بعدما ركبوا على أصوات المكناسيين ليتبخروا بغير رجعة، وعن حال السياحة التي صارت معها مكناس مدينة للعبور فقط بالرغم مما تتوفر عليه من تاريخ حافل، عن حال الرياضة والثقافة، وعن أوضاع الحدائق العمومية التي لا يتوفر بعضها حتى على عداد الماء..
  من لا يتفق مع هذه القراءة عليه فقط أن ينظر إلى واقع الحال بعين الغيور الموضوعي، فالنقد لا يهدف بالضرورة إلى الإحباط وإضعاف الهمم بقدر ما يولد الرغبة في الإصلاح وتنمية الوعي بضرورة المساهمة فيه بالخروج من السلبية والتواكل إلى الفعل والمشاركة، وإذا كان الوضع الذي حاولنا كشفه ليس إلا نتاجا لتقاعس أبناء المدينة عن دورهم في المساهمة الفاعلة والمتابعة والمراقبة عبر الآليات الفعالة، فإن السلطات المركزية عليها أن تفكر في مخططات تنموية حقيقية لإخراج المدينة من حالة الجمود العام الذي أصابها. بدون ذلك فإن مستقبل التنمية والتطور في كل المجالات يبقى مفتوحا على التخوف والقلق المشروع، ما سيهدد المدينة بالشلل التام لا قدر الله.
  وحيث أن للإعلام دوره المحدد في التنمية، فلمكناس أن تفتخر بالمنبر الإعلامي الالكتروني "مكناس بريس" الذي نتمنى أن يكون منبرا لكل المكناسيين، بوقا لإسماع صوتهم ورفع تظلماتهم، وأداة ليقف المسؤولون عن أحوال المدينة، فضلا عن دوره الإخباري، فكل التوفيق لهذا المولود، وهنيئا للمكناسيين بمولودهم.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : حميد سرحان
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2012-07-30 20:00:11

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك